الأربعاء، 27 مايو 2009

بيان حكم حجامة النساء

بيان حكم حجامة النساء

(29) عَنْ جَابِرٍ : أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ اسْتَأْذَنَتْ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحِجَامَةِ ، فَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا طَيْبَةَ أَنْ يَحْجُمَهَا . قَالَ : حَسِبْتُ أَنَّهُ قَالَ : كَانَ أَخَاهَا مِنَ الرَّضَاعَةِ ، أَوْ غُلامًا لَمْ يَحْتَلِمْ . صحيح . أخرجه أحمد (3/350) ، ومسلم (14/193) ، وأبو داود (4105) ، وابن ماجه (3480) ، وأبو يعلى (2267) ، وابن حبان (5602) ، والحاكم (4/233) ، والبيهقى (( الكبرى )) (7/96) ، والخطيب (( تاريخ بغداد )) (5/169) من طريق الليث بن سعد عن أبى الزبير عن جابر . وقال أبو عبد الله الحاكم : (( هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه )) .قـلت : وهو كما قال ، ولكن فاته أن مسلماً أخرجه فى (( صحيحه ))

هذا الحديث غاية فى الصحة ، ولهذا أودعه أبو الحسين مسلم بن الحجاج النيسابورى فى (( صحيحه )) ، وهو قائم مقام الاحتجاج فى جواز تطبب المرأة ، ومداواتها بيد الرجل الموثوق بأمانته وديانته وصيانته لحرمات النساء ، ولهذا بوَّب عليه الإمام أبو حاتم بن حبان فى (( التقاسيم والأنواع )) :

ذكر الأمر للمرأة أن يحجمها الرجل عند الضرورة إذا كان الصلاح فيها موجوداً . وأما قول الراوى فى الحديث : حَسِبْتُ أَنَّهُ قَالَ : كَانَ أَخَاهَا مِنَ الرَّضَاعَةِ ، أَوْ غُلامًا لَمْ يَحْتَلِمْ ، فمما لا يلزمنا قبوله بإطلاق ، فهو من إدراج أحد الرواة دون جابر بن عبد الله ، ولا يمكن القطع بتعيينه ولا يقدح ذلك فى صحة الحديث ، ولا تلقينا إيَّاه بالقبول ، ومن مقتضاه جواز حجم الرجل الورع الأمين الثقة للمرأة إذا اضطرت إلى الحجامة ، وكان الشفاء مظنوناً ، ولم تكن ثمة نسوةٌُ حجامات ماهرات بأصول هذه الصنعة ، وذلك فى وجود زوجها وبإذن منه إن كانت ذات زوجٍ ، أو أحد محارمها إن لم تكنه .

وما أحسن ما قاله العلامة ابن حزم (( المحلى ))(10/33) : (( وأما قول الراوي : حَسِبْتُ أَنَّهُ كَانَ أَخَاهَا مِنَ الرَّضَاعَةِ ، أَوْ غُلامًا لَمْ يَحْتَلِمْ ، فإنما هو ظن من بعض رواة الخبر ممن دون جابر ، ثم هو أيضا خلاف لواقع الأمر ، لأن أم سلمة رضي الله عنها ولدت بمكة ، وبها ولدت أكثر أولادها ، وأبو طيبة غلام لبعض الأنصار بالمدينة ، فمحال أن يكون أخاها من الرضاعة ، وكان عبداً مضروبا عليه الخراج ، كما روينا من طريق مالك عن حميد الطويل عن أنس قال : حجم رسـول الله صلى الله عليه وسلم أبو طيبة ، فأمر له بصاع من تمر ، وأمر أهله أن يخففوا من خراجه )) . ثم قال : (( ولا يمكن أن يحجمها إلا حتى يرى عنقها ، وأعلى ظهرها مما يوازى أعلى كتفيها )) .

وأما التحرز للحجام الذى يعالج النساء بكونه ورعاً ثقةً أميناً ، فلأنه يكشف من المرأة ما يحرم عليه كشفه فى غير هذه الضرورة ، فلا يحجزه عن المحظورات المهلكات إلا ورعه ، ولأن عورات المرأة من الأمانات التى يجب ويتأكد حفظها وصيانتها ، ولا يصلح لذلك إلا الأمناء الثقات ، ألم تقل المرأة المؤمنة (( إن خير من استأجرت القوى الأمين )) .

ولا يخفى أن ستر عورات النساء من أوجب الواجبات ، ولا يجوز لامرأة أن تكشف عن جزءٍ ولو يسيرٍ من عورتها لأجنبىٍ عنها إلا لضرورة ماسة كمداواةٍ ونحوها ، وضابط ذلك قول الله جلَّ وعلا (( وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو أبآئهن أو أبآء بعولتهن أو أبنآئهن أو أبنآء بعولتهن أو إخوانهن أو بني إخوانهن أو بني أخواتهن أو نسآئهن أو ما ملكت أيمانهن أو التابعين غير أولي الإربة من الرجال أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النسآء ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون )) .

قال سلطان العلماء الإمام العز بن عبد السلام (( قواعد الأحكام )) : (( ستر العورات واجب ، وهو أفضل المروءات وأجمل العادات ، ولا سيما فى النساء الأجنبيات . لكنه يـجوز للضرورات والحاجات . أما الحاجات ، فكنظر كل واحد من الزوجين إلى صاحبه ، ونظر الأطباء للمداواة )) .

والحجام وهو مضطر للنظر إلى محاجم المرأة المحرم عليه النظر إليها فى غير هذا الموضع ، فهذا الاضطرار مقيد بشرطين :

( الأول ) ألا يجاوز موضع الحاجة ، إذ الضرورة تقدر بقدرها ، فقد قال تعالى (( فمن اضطر غير باغٍ ولا عادٍ فلا إثم عليه )) . فعلى الحجَّام ألا يجاوز ما أبيح له من الكشف والنظر لئلا يأثم بذلك ، وليتحرى الإسراع بالفراغ من عمله ما أمكنه ؛ لئلا يحرج المرأة وزوجها ومحارمها .

( الثانى ) ألا يمس شيئاً من جسد المرأة بيده مباشرة ، وذلك باستعمال قفازين ، لما صحَّ من حديث معقل بن يسارٍ أن رسول الله قال : (( لأن يُطعن في رأس أحدكم بمخيطٍ من حديدٍ خير له من أن يمسَّ امرأةً لا تحلّ له )) صحيح . أخرجه الرويانى (( المسند ))(2/323/1283) ، والطبرانى (( الكبير )) (20/211/488،487) من طرق عن شداد بن سعيد الراسبي سمعت يزيد بن عبد الله بن الشخير يقول سمعت معقل بن يسار به .

قلت : وهذا إسناد متصل برجال كلهم ثقات ، خلا شداد بن سعيد أبا طلحة الراسبى ، فقد اختلفوا فى توثـيقه ، والأكثر على توثيقه . فقد وثقه ابن معين ، وأحمد بن حنبل ، والنسائى ، والبزار ، وابن حبان . وكفى بتوثيق الإمامين أحمد وابن معين .

وأما وجود الزوج وإذنه لذوات الأزواج ، أو المحارم لغيرهن ، فلما فى (( الصحيحين )) من حديث ابن عيينة حدثنا عمرو بن دينار عن أبي معبد سمعت ابن عباس يَقُولُ : سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ يَقُولُ : (( لا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إلا وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ ، وَلا تُسَافِرِ الْمَرْأَةُ إِلا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ )) ، فَقَامَ رَجُلٌ ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ امْرَأَتِي خَرَجَتْ حَاجَّةً وَإِنِّي اكْتُتِبْتُ فِي غَزْوَةِ كَذَا وَكَذَا ؟ ، قَالَ : (( انْطَلِقْ فَحُجَّ مَعَ امْرَأَتِكَ )) .

وقد صحَّ عن عمر بن الخطاب أنَّ رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : (( أَلا لا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلا كَانَ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ )) صحيح . أخرجه أحمد (1/18) ، والترمذى (2165) ، والنسائى (( الكبرى ))(5/388/9225) ثلاثتهم من طريق محمد بن سوقة عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر قال خطبنا عمر بالجابية فقال : يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي قُمْتُ فِيكُمْ كَمَقَامِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِينَا ، فَقَالَ : (( أُوصِيكُمْ بِأَصْحَابِي ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ، ثُمَّ يَفْشُو الْكَذِبُ حَتَّى يَحْلِفَ الرَّجُلُ وَلا يُسْتَحْلَفُ ، وَيَشْهَدَ الشَّاهِدُ وَلا يُسْتَشْهَد أَلا لا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلا كَانَ ثَالِثَهُمَا الشيْطَانُ . عَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ ، وَإِيَّاكُمْ وَالْفُرْقَةَ ، فَإِنَّ الشيْطَانَ مَعَ الْوَاحِدِ وَهُوَ مِنَ الِاثْنَيْنِ أَبْعَدُ . مَنْ أَرَادَ بُحْبُوحَةَ الْجَنَّةِ فَلْيَلْزَمِ الْجَمَاعَةَ . مَنْ سَرتهُ حَسَنَتُهُ وَسَاءَتْهُ سَيِئتُهُ ، فَذَلِكُمُ الْمُؤْمِنُ )) .

قال أبو عيسى : (( هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه ، وقد رواه ابن المبارك عن محمد بن سوقة ، وقد روي هذا الحديث من غير وجهٍ عن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم )) . قـلت : هو كما قال ، له عن عمر طرق يطول تخريجها ، وقد بسطتها فى غير هذا الموضع .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مدونه تهتم باخبار الادويه واسواق الادويه فى العالم العربى وطرق التصنيع واخبار الصيادله وشركات الادويه وطرق التسويق والاعشاب والطب البديل ارجو ان تتحول الى موسوعه adwia_adwia82@yahoo.com

رساله الى نصارى مصر

كل العالم


Powered By Blogger