الخميس، 28 مايو 2009

تقنية وصناعة الحيل النافعة الطب

تقنية وصناعة الحيل النافعة الطبية "
في كتاب الجراحة لابن القف (630- 685 هـ)

بقلم الدكتور سامي خلف حما رنة
الولايات المتحدة ا الأمريكية

تقديم:
أغفل كثير من الباحثين إعطاء اهتمام جدي لتطور الحيل وأدوات الجراحة في العمل الصحي التطبيقي. وواقع الحال يحتم وجود عناصر هامة جدا ساهمت بها الحضارة الاسلامية في هذا المضمار. ولا يسعني في هذه المقالة الصغيرة إلا أن اذكر بعض مآثر نمر بها مرا سريعا ثم نركز اهتمامنا على بعض ما ورد من الملاحظات والاختبارات والأصول الجراحية في كتاب العملة في صناع الجراحة لأبي الفرج ابن القف (1)

ألقى صديقنا الدكتور عوض ضوءا على اكتشاف تم في مدينة الفسطاط قي النصف الأول من هذا القرن حول آلات جراحية هامة تعود للقرن الثاني الهجري دلت بأوصافها على ظهور دقة ونضوج ممارسة الطب الجراحي منذ مطلع النهضة الاسلامية، وكان هذا الكشف رائعا من نوعه في ذلك الزمن (2).

وفي القرن الثالث الهجري (9 م) نبه كثير من الأطباء في الإسلام على أهمية فن التشريح وعلم الغرائز، وشاركوا في تقديم العمل باليد والتقنية الطبية فمثلا أشاد يحي بن ماسويه بصناعة الجراحة وشرح الطبري أمورا مختصة بالفصد والجراحات وعلاج النقرس والمفاصل (3). ثم أن أبا زيد حنين بن إسحاق العبادي (195-.26 هـ) وضع تراجم كتب ابقراط وجالينوس وبولس وشرحها في التشريح والجراحة بالإضافة إلى دراسة لطب العيون تحتوي أول رسوم باقية لتركيب العين وتشريحها (4).

وفي القرن الرابع الهجري دخلت حضارة الإسلام عصرها الذهبي في المهن الصحية بجميع فروعها، ورائدها النطاسي أبو بكر محمد ابن زكريا الرازي الذي اشتهر فني الطب السريري الإكلينيكي وفنون الكيمياء والمداواة وطب ا لروح والجراحة (5). وقد أجاد ابن وطنه المجوسي المتوفى عام 384 هـ باستقصائه لأمور الأمراض والجراحة ونال قصب السبق في عمل اليد والرسوم الجراحية وكيفية صنعها ودقة أوصافها الطبيب أبو القاسم خلف بن عباس الزهراوي (المتوفى حوالي 404 هـ) في عاصمة الأندلس الأموية (7).

إن مؤرخي الطب اجمعوا على أنه أعظم جراحي العصور الوسطى حتى زمنه وعميدها أوسعها شهرة حتى إن جيرا رد كريمونا (1114- 1187 م) اعظم مترجمي الغرب من لغة الضاد إلى اللاتينية قام بنفسه بترجمة مقالة الزهراوي الجراحية مع الرسوم البديعة الإتقان فانتشر عمله بذلك في تقديم الصناعة إلى الغرب في القرن الثاني عشر الميلادي (8).
وفي القرن السادس الهجري أيضا نبغ عدد من الأطباء النابهين مثل أمين الدولة ابن التلميذ شيخ أطباء بغداد
(ت 560 هـ) وأبى نص عدنان بن العين زربي (ت 548 هـ) وأبى مروان ابن زهر الأندلسي (557 هـ) الذين بينوا أهمية فنون التشريح والجراحة وتركيب الأدوية (9).

أهمية كتاب العمدة في الجراحة:
كان عهد ملوك الأيوبيين زمن تحد في وجه أعداء وحروب ضارية فضق صلاح الدين نصرا مبينا على الصليبيين عام 583 هـ، فازدهرت التجارة واستتب الأمن وعم الرخاء فشمل التقدم جميع البلاد الشامية بما فيها شرقي الأردن لا سما مدينة الكرك وقلعتها الحصينة مسقط رأس أمين الدولة أبي الفرج بن موفق الدين يعقوب بن إسحاق بن القف الكركي الملكي (630- 685 هـ!، والذي ساهم في إحياء وتقدم المهن الصحية.
وكان على ما يبدو أول مؤلف له هو كتاب الشافي في الطب بحث فيه حول تشريح الأعضاء والأمراض البدنية والنفسانية والسموم. بعدها شرح كليات القانون لابن سينا وقد بلغ فروة نضوجه الفكري في مختصر بعنوان جامع الغرض في حفظ الصحة ودفع المرض هو أول كتاب من نوعه يبحث في أحوال الصحة العامة والخاصة والوقاية من الأمراض في منهج واضح وأسلوب علمي رصين (11) وها نحن الآن في صدد تعريب وتقييم كتاب- العمدة (تم تأليفه عام 681 هـ) مع وصف وتعيين بعض الأعمال الطبية المفيدة في هذا السبيل.

وهذا هو أكمل كتاب واشمله في الجراحة حتى عصر المؤلف لاحقا بمقالة العمل وهي الثلاثين والأخيرة في كتاب التصريف لمن عجز عن التأليف للزهراوي والتي لا تقل عنه أهمية وخطورة.

في مقدمة العمدة يذكر المؤلف كيف أن بعض جراحية عمره قد شكا إليه بخصوص قلة اهتمام أرباب المهنة بأمرها فاقتصر اغلبهم على معرفة تركيب بعض وصفات صيدلانية ومراهم، حتى لو أن سأل سائل ما هو المرض الذي تعالجه وما سببه ولم تداويه بهذه المداواة وما هو كل واحد من مفرداته والفائدة في تراكيبها، لم يكن عنده ما يجيبه عن ذلك سوى إن يقول " رأيت معلمي وهو يستعملها في مثل هذه الصورة فاستعملتها:

ويذكر ابن القف الأخطاء الشائعة بسبب الجهل وعدم معرفة ممارسة المهنة بإتقان وتمييز الأمراض واسبابها وأعراضها وتركيب الأدوية والأغذية اللازمة للشفاء وكيف اعتذر آخرون بأنه ليس لديهم كتاب جامع نافع يمكن الرجوع إليه في هذه الصنعة. لذلك كان منهم من أكثر السؤال بلزوم تأليف مثل هذا التصنيف الشامل ليشرح حدود الجراحة وأصول الأمور الطبية والأورام وحدوثها وتقاسيمها وعلاماتها والمفردات البسيطة والمركبة وماهياتها ومعالجة الأمراض فاستجاب لهذا الطب في عشرين مقالة (12).
بدأ المؤلف حديثه بالقول بأن الجراحة تعريف أحوال بدن الإنسان من جهة ما يعرض لظاهره من أنواع تفرق-
الاتصال في مواضع مخصوصة لاعادة العضو إلى الحالة الطبيعية الخاصة به، ووصف الأورام والقروح في ثلاثة أمور:
أ- طبيعي كفتحها بالحديد والآلات الجراحية المتعددة وفصد العروق والحجامة وغيرها.
3- غير طبيعي كالشجبات وضرب السيف ونشوب السهام (13) أما في المرض فيقول المؤلف بأنه حالة لبدن الإنسان بها تنال الأفعال الضرر المحسوس من غير توسط بسيطا أو مركبا. وتشمل حالتي الحار اليابس والحار الرطب والبارد اليابسة
والبارد الرطب وان المرض الآلي أربعة أنواع :
1- مرض الخلقة كضيق مجاري التنفس أو الدوالي وكانسداد تجاويف بطون الدماغ في السكتة.
2- مرض الوضع أي موضع العضو نفسه وما يشاركه من الأعضاء كما في تحجر المفاصل والرعشة أو الفتق (14). ثم إن علي الجرائحي قبل معالجة العضو يجب أن ينظر في أمور أربعة:
ا. مزاجه الطبيعي: إذبه يعرف كيفية الدواء المستعملى في المعالجة الضد بالضد.
2- وضعه العرضي: بالحدس والتخمين كأن يقال العظم يابس.
3- "جوهره: إن كان مجوفا كالأعصاب أو متخللا كالرئة أو متكاثفا مثل الكلية.
4- رتبته: لا الحس كأن يقال اللحم الأحمر قوي (15).

في الفصد والسل والبتر والكي:
منذ زمن الإغريق حتى العصر الحديث كانت هذه الأعمال الجراحية شاثعة، فعلا نجد وصفا للفصد في الكتب البقراطية وما ذكره جالينوس، وقد تأثر العرب بهذه العملية وانتشرت بينهم وكتب عنها كثيرون في الإسلام (16) وعرف ابن القف الفصد تفرق اتصال إرادي، خاص بالأوردة لها آلات خاصة اعرفها الريشة اللطيفة الصنع والفأس والمبضع لاْ وهو يستعمل عند زيادة واستيلاء الأخلاط (المادة الدموية) على الباطن في الكمية أو في الكيفية مع ازدياد الحرارة.

ويشترط في الفاصد أن يكون عارفا بالتشريح ليعرف مسالك الأوردة واوضاعها وما يجاورها وكيف يحفظ المبضع نقيا من الصدأ والنمش وكيف يشد العض وعند الفصد بعصابة دقيقة معتدلة العرض.

أما في مواضع الفصد فقد حصروها في أربعة وثلاثين وريدا: أثنى عشر في الرأس كاليافوخ والخششاء والأرنبة والودجين، واثنى عشر في اليدين كالكحل والباسليف، وثمانية في الرجلين كعرق النساء، والاسيلم وحيث يربط الزند
فوق الكوع بأربع أصابع (16).

أما الشرايين فتارة تفصد وتارة تبتر إذا افرط خروج الدم فيه إما لخطأ وقع في الفصد كأن فصد غيره ثم وقع طرف المبضع فيه واما لأنه قصد فصده كما ني شريان الصدغين فأفرط خروج الدم ولم ينقطع بوضع قاطعات الدم عليه فيستعمل البتر بكشف موضع الشريان وينحى عنه الأجسام التي حوله من اللحم ويعلقه بصنارة ويدخل تحته من كل جانب خيط ابريسم بإبرة ليست بحادة الرأس ويربط ربطا وثيقا ثم يقطع بنصفين من موضع الشق أو يترك ليقطع الدم ويضمد".
وتارة تسل الشرايين كما يفعل بشريان الصدغين في الشقيقة ووجع العين والنزلات المزمنة " إذ يحلق الشعر ثم يفتش عن الشريان حتى يعرف موضعه ويعلم عليه بمداد ثم يشق الجلد شقا ظاهرا على طول الشريان ويعلق على الجلد بصنانير وتكشف عن الشريان ويمد إلى فوق بصنارة وتقطعه وتخرج منه قطعة طول ثلاثة أصابع مضمومة بعضها إلى بعض ثم يوضع عليه قاطعات الدم أو يستعمل الشد بخيط ابريسم من الجانبين ويكون بينهما قدر ثلاثة أصابع ثم يقطع ما بين ذلك ويضمد).

وتارة تكوى الشرايين عوضا عن سلها، وذلك بأن تؤخذ مكوى ثخانة رأسه على قدر سعة الشريان ويحمى حتى يحرق الجلد ويصل الحريق إلى الشريان وينكمش الجميع بعضه إلى بعض بحيث أن الدم ينقطع خروجه ويضمد. ويثير المؤلف بان الكي علاج نافع لمنع انتشار الفساد وتجفيف الرطوبات أو تسخين عضو برد مزاجه أو حبا دم قد افرط أو انصباب المواد كما في نزلات العين والمعدة الباردة ومفصل الورك وعرق النسا أو ذوبان لحم فاسد قد عجزت الأدوية عن ذوبانه دون أن يصيب شيئا من الأعصاب والعضلات والأوتار.
والآلة المستعملة فيه تعمل من ذهب أو فضة، ولكن بحسب رأي الزهراوي الحديد فيه افضل (17). ويصف المؤلف طريقة كي القض بأن يحلق رأس المريض ثم يجلس وهو مربع ويداه على فخده ويعلم الموضع ويضع الجراح كفه على أنفه وأصابعه بين عينيه ويحمي المكوى الزيتوني جدا ويكوى. إما في علة عرق النسا فيستعمل الكي على أربعة وجوه:
ا- أن يكون موضع المفصل في مكوى من خلال أنبوبة دون أن يصيبها شيء إذا لم يتمكن الوجع من النزول.
2- إن يكوى ثلاث كيات إحداها من خلف عمق المفصل، وأخرى فوق الركبة، وثالثة فوق الكعب من خارج.
3- أن تتخذ آلة شبيهة بالقدح من نحاس أو حديد طولها نصف شبر وغلظ شفتها قدر نواة تمر، وفي داخلها قدح أخر وثالث داخله ويكون البعد من كل قدح وقدح بقدر عقد الإبهام مفتوحة من الجهتين حتى يخرج منها الدخان عند الكي من الطرف ويكون بينهم اتصال ثم يتخذ مقبض للجميع من حديد يحمي بالنار ويكوي به حق الورك؟ والعليل متكئ على جنبه الصحيح ويعمق الكي ثم يترك ثلاثة أيام ويدهن بالسمن ويكشف الجرح أياما حتى تخرج المادة منه ثم يعالج بالمراهم.
4- أن يكوى بالماء الحار قدح داخل آخر وبينهما وصل في وسط القد-س ويكبس به حق الورك كبسا جيدا ويصب الماء الحار بينهما ويوصى المريض أن يصبر على الرجع فان موضعه يلذع: يحرق. وبعدما يرفع القدحين يمسح الموضع بماء ويترك ثلاثة أيام ويدهن بالسمن. يعالج بالمراهم الملحمة (18).

في الحجامة والعلق:

إن الحجامة عند الجراحين تعنى بالمادة الدموية المستولية على ظاهر البدن لاخراجها أما بشرط أو بلا شرط. والتي بغير شرط إما بنار أو بغير نار والطبيب خادم الطبيعة يحذو حذو أفعالها وإذا دعت الحركة الطبيعية المادة، إلى جهة من الجهات أو مالت هي بنفسها إلى تلك الجهة فلسبب ضرورة الخلاء، من الواجب أن تعان على إخراجها وتجفيف مقدارها وذلك بفتح مجاريها أو بشرط الجلد ثم وضع ما يعين على بروزها بالمحاجم. والحجامة تلزم حين الحاجة لا سيما في الأبدان العبلة مع مراعاة مقدار الشرط (طوله وعمقه بحسب مقدار مادة الخلط وقواها) ويمرخ العضو قبل الشرط تمريخا قويا ويعلق عليه المحاجم مرة وأخرى بغير شرط لتنجذب المواد المراد إخراجها. إما المواضع المناسبة للحجامة فمنها النقرة التي فوق القف بأربع أصابع وتنفع من الرمد وثقل الرأس والقمحدوة والاخدعين في جانبي العنق والذقن والكاهل بين الكتفين والمنكب مقابل الترقوة من الخلف والناغض خلف اليد. والمحاجم بغير النار فتمص مصا بالغا وتريح العضو لتسكين الوجع. والمحاجم بالنار فيوضع قطن داخل المحجمة أو في قدح مناسب ويوقد فيه نار ثم تلقمه العضو فإنه يجذبه ويمصه مصا قويا.
أما العلق فان جذبه للمواد الدموية ابلغ من جذب الحجامة ولو انه أقل من الفصد. ومن العلق ما طبعه السمية ومنه ما هو خال من السمية وهو المستعمل في المداواة الطبية وتصاد قبل يوم أو يومين ثم تكب على رؤوسها حتى يخرج جميع ما في اجوافها حتى يشتد جوعها وتلتقم الجلد حتى اذا امتلأت اجوافها تسقط ويعلق غيرها اذا لزم الأمر. وتعلق المحاجم على مواضعها وتمص مصا قويا لجنب الدم المتبقي في الموضع (19).

البط والجبر والجراحة:

إن البط عرضا أو طولا منه ما هو طبيعي محمود أو صناعي مذموم ويكون إما بالحديد أو بالأدوية المفجرة لاخراج المادة لا سيما من اسفل الخراج لسهول ذلك.
فإذا انقطع الدم في أطراف العروق فليكن وإلا فتكوي، ويخفق في بط الخراجان إن يقطع المبضع بعض الأوردة أو الشرايين أو يصب المبضع إحدى الشرايين عند فصد ما يجاوره من الأوردة أو في جراحة بعض العضلات فيلزم ربط فوهة الوريد أو الشريان بخيط ابريسم واستعمال الثلج لاْ أو مواد قابضة كالعفص والجلنار، أو كاوية كالزاج، أو أن يشد فوق المخرج بشدة فيحتبس الدم (20).
ثم يبحث المؤلف في أمر جبر العظام ومادة الدشبد وهو جوهر له انتساخ نسيج جسم ابيض شبيه بالعصب، فيقول.انه اذا انكسر عظم يجب على المجبر أن يبادر إلى عمله في إصبع ما يمكن وشندهـه بالجبائر من جوانبه الأربعة باستعمال خشب القنا أو الدفلا والرمان تجعل طولها فوق الكسر بأربع أصابع ومثلها تحتها ولا يبالغ بالشد حتى الوجع ولانه يمنع الغذاء من نفوذ إليه وينبغي أن يحل الرباط يوما بعد يوم ليريح العليل والعضو المئوف من ألم الشد وليفذ الدم إلى العضو وان حصل ورم يجعل الشد رخوا لئلا يمنع مادة الدشبد من النفوذ إلى العضو المكسور.

أما الخلع فهو عبارة عن خروج العظم عن موضعه الذي له بالطبع خروجا تاما وعلامته أن يحصل غور في بعض المواضع ونتوء في موضع آخر غير معتاد ثم يدهن ويضمد ويعصب. وان لم يخرج العظم بتمامه سمي زوالا ؛ من المحرر: يلاحظ معرفة الأقدمين لفائدة العسل في تعقيم الجروح والتئامها. انظر بحث الدكتور احمد شوقي إبراهيم.
الناس من هو مستعد جدا للخلع وهو من كانت مفاصله غير عميقة واللقم الداخلة غير ثابتة والروابط التي يضم فيها غير وثيقة. ومن المفاصل ما هو سهل أو صعب الانخلاع لمفصل الورك وعرق النسا ومنه بسيط أو مركب. واما الوثي فخروج العظم خروجا يسيرا في حين إن الوهن هو حصول الآفة بما يحيط العظم مع بقائه في موضعه مع كيف المادة البدنية مع تدهن بالورد مع تليين الطبيعة (21).

واخيرا قد يحصل للعضو المحتاج إلى المعالجة ألم شديد يمنع الجرائحي من الصواب في معالجته ويكون سبب الألم أما مادة حادة منصبة آلية أو ضربة أو جراحة والتسكين يكون حقيقيا أو غير ضيقي، وأمر تدبيره يكون على وجوه أربعة:
ا- ابراد يبطل أو ينقص الشعور بالأم وذلك بإيقاف مسالك الروح ومنع القوة الحساسة من النفوذ فيعطي الخلاص من الوجع.
2- ببرده يغلظ جوهر الروح ويمنعه من النفوذ والسريان في مسالكها إذ أن الأعصاب لها منافذ كقصب البردى.
3- الحس بالحرارة والرطوبة والمخدر مزاجه بارد يابس مضاد له فيكسر قوته.
4- بسميته التي فيها يضعف القوة الحساسة لذاته بل ولجميع القوى ومتى ضعف الحس ضعف الشعور بالوجع فيضعف اسم (22).

أما في العمل باليد فنذكر ثلاثة أمثلة:

أولا: معالجة السلعة بالحديد حيث ينبغي شق اسفل الجلد برفق لئلا يصل الشق إلى كيس السلعة فيتعذر اخراجها، ثم يقطع صليبيا ويعلق الجلد بالصنانير ويسلخ برفق ويجتهد في أن لا يشق الكيس بل يخرج صحيحا ويعالج الموضع ويغسل بالماء وماء العسل ويخيط*. أما أن انخرق الكيس وبقي شيء منه يعلق الباقي بالصنانير ويتبعه حتى خروج البقية.
ثانيا: معالجة الخنازير بالحديد بالشق طولا من غير إن تبلغ بالشق إلى نفس الورم ثم تمد شفتي الجلد بصنارة ويسلخ عنها الجلد وتنحى عنها سائر الأجسام التي حولها وتخرجها أولا فأولا أو تعلقها بصنارة وتمدها إلى فوق وتسلخ وتجرد من الأجسام التي حولها للخارج وتتوقى أن يقع القطع في شريان أو عصب أو عرق يربط بخيط ابريسم
ويقطع ويخيط ويمكن استعمال المقراض.
ثالثا: علاج السرطان بالجراحة جائز فقط في حالة قطع أصول العروق المتصلة بالثدي بأن يقور بالموسى تقويرا مستديرا حتى لا يبقى شيء من أصوله ويترك الدم يجري حتى ينقطع من ذاته ثم تقصر العروق التي حول الثدي حتى يخرج منها الدم المحتبس وتعالج بالأدوية وتضمد (23).

الخياطة في الجراحة:
يصف المؤلف رد المعاء في حالة الجراحة وعدد غرزات الخياطة اللازمة في أي عملية معينة ومعالجة انقطاع الوريد وذلك بأن يجعل الناحية التي فيها الجراحة ارفع من الناحية الأخرى أما اذا أريد ازدياد الشق في رد الأحشاء فيستعمل آلة تشبه الصولجان الصغير في غاية الحدة ثم يخيط بعد جمع شفتي الجراحة بيد مساعد بموجب الشروط التالية:
ا- أن يكون الخيط معتدلا بين الصلابة واللين.
2- أن تكون الغرز معتدلة في القرب والبعد بعضها من بعض.
3- أن لا يكون مغرز الإبرة قريبا من حافة الجرح فينخرم ولا بعيدة عنه فيتعنر انضمام الشفتين.
4- ان يكون لرأس الإبرة ثلاثة حدود وهي التي يخيط بها الفراء إذ هي سهلة الاستعمال لغرز الجلد.

أما كيفية التخييط فالمؤلف يصفه حسب أربعة وجوه:
الأول: والافضل هو أن يدخل الإبرة المذكورة من خارج الجلد إلى داخله ثم في العضلة ثم في الصفاق ثم في داخل الطرف الآخر في الأجزاء المذكورة إلى خارج ثم من خارج الطرف الآخر على الصورة نفسهما إلى داخل ثم من داخل الطرف الآخر إلى خارج ثم هكذا حتى انتهاء العمل (24).

وقد أشار المجوسي أن يعقد كل غرزة وما يقابلها عقدة واحدة ويقص الخيط ثم تدخل الابن من خارج الجلد إلي داخله ثم من داخل إلى الحافة الأخرى إلى خارج ثم يعقد الخيطين ويقص وهكذا إلى آخر الجرح ويوضع الذرود ثم تتخذ ورفائد مثلثة الشكل طول زاويتين من زواياهما بطول الجراحة وتجعلهما على حافتي الجرح وكذلك من الجانب الآخر وتكون الزاوية الأخرى على الجانب الآخر من الجرح وتضم الرفائد بعضها إلى بعض وتعصب أبا معتدلا ثم تشد بالتدريج وتترك حتى يتقيح الجرح فيضمد بعلاج القروح. وينبغي أن تكون نصبة العليل ميلها إلي الجهة الخالية من الجرح وهو انه متى كان مائلا إلي اسفل ينبغي أن تكون الناحية أعلى من الناحية الفوقانية وبالعكس.
والوجه الثاني: من الخياطة هو أن يجمع كل جزء إلى نظيره مثلا حافة الصفاق إلى حافته الأخرى والعضلات إلى العضلات والجلد إلى الجلد وتخيط كل شئ مع نظيره، واعلم ان هذه الطريقة عسيرة المنهاج إذ ان الدم السائل يمنع الجراح من الاستمرار في عمله بالإضافة لكون تكرار الألم للمريض.
والثالث: في أن تجمع الأجزاء كلها من كل جانب مع الأجزاء كلها من الجانب الآخر، وتدخل فيها الإبرة جملة من خارج إلى خارج ثم تجانب الإبرة المخ هذا الجانب وتدخل على العادة إلى خارج وهكذا حتى تتم العملية.
والوجه الرابع: في ان يتخذ إبرتين ويخيط بهما الحواشي جميعا من الجانبين كما تخيط الاساكفة الجلود ولكن هذا الوجه قليل النفع (2).

في التطهير واخراج الحصى:
يستعمل المؤلف طريقة التطهير على أربعة وجوه:
الأول: بأن تجعل القلفة داخل المشقاص بحيث تصير الكمرة خارجة عن ذلك ثم تقطع بموسى حادة.
والثاني: بأن يجعل شيء مستدير على قدر سعة جلدة القلفة داخلها، ويدفع بها الكمرة إلى داخل وتمسك الجلدة بقوة ثم تقطع.
والثالث: بأن تربط القلفة بخيط ناعم بحيث أن تجعل الكمرة داخل الرباط فيدفع باليد ثم تقطع القلافة من دون ا لرباط.
واخيرا بأن يجعل داخل القلفة مرودا يدفع به الكمرة ويمسك طرف القلفة ثم يجعل المشقاص على القلفة وهو ما بين الكمرة وطرف المرود ثم يقطع بموسى حادة إلى الغاية، وبعدها تخرج الكمرة والدم ثم ينر على الموضع رمادا من مسحوق القرع اليابس أو غيره ويعصب ويترك حتى صف فيدخل الحمام حتى تخرج اللفافة وتضمد (26).
أما في احتباس البول لشدة عارضة في فم المثانة المتصل بأصل القضيب بسبب حصاة نشبت في مجراها فيستعمل التبول بالقاثاطرة وهي آلة من فضة أو ذهب أو نحاس مجوفة بقدر سعة تجويف القضيب في حد طرفيها تجويف بصورة السكرجة الصغيرة، تدهن بدهن بنفسج أو زبد أو بياض البيض ويدخل في تجويفها خيط مثنى يجعل الثني من الطرف الداخل والآخر باتجاه القاثاطير ويجعل في ثنية الخيط إما قطن أو صوف ناعم وتنطل العانة بالماء الحار وتمرخ ثم تدخل برفق إلى فوق ثم إلى اسفل وتجذب الخيط فيخرج القطن أو الصوف ويتبعه البول لضرورة الخلاء وتخرج عند النهاية وتعاد حسب الحاجة. وإذا استمر حرقان البول فيستعمل ضن المثانة بالزرافة باختيار آلة من القاح مجولحة بقدر الإبهام ومدفعا مع أنبوبة مناسبة تستعمل كالقاثاطير(27).
أما الحصاة المانعة النزول في الكلي أو المثانة، فالكبيرة منها أسهل وأهون ويؤمر العليل ان يثب من مكان مرتفع إلى اسفل أو يرقص مرارا فتنزل الحصى إلى اسفل في عنق المثانة بعدها يجلس العليل بين يدي الطبيب منتصبا، يداه بين فخذيه والمثانة مائلة إلى اسفل ويدخل إصبعه السبابة لا مقعدة العليل مدهونة بدهن بنفسج ويفتش عليها فإذا وقع الحس عليها يدفع إلى اسفل إلى عنق المثانة ويكبس عليها بالإصبع ويدفع ويأمر مساعد الطبيب ان يشيل الانثيين عن الموضع الذي يقع فيه الشق ثم يأخذ الجراح المبضع ويشق فيما بين المقعدة والانثيين مائلا قليلا إلى اليسار والشق بعيدا قليلا عن، أصل القضيب فتسقط الحصى واحدة بعد الأخرى بضغط الإصبع، وان كان لها زوائد وحروف فيوسع الشق قليلا وادخل الحقب المرودي وامسك به الحصى وأخرجها، وإلا فيزداد انشق اكثر، وان كانت كبيرة جدا فيزداد الشق أيضا وادخل الكلبتين الخشنة الأطراف وتمسك بها الحصى وتكبس عليها تتفتت وتخرج قطعة قطعة حذار ان يهلك العليل، فإذا نجا يضمد الجرح مع ذرور ويترك ثلاثة أيام والعليل مستلق على ظهره وتبل رفائد بدهن ورد ثم تحل الرباط ويعالج بالمراهم الملحمة الشافية (28)

خاتمة
تناول المؤلف في كناب " العمدة " بحث عدة مشاهد واختبارات في صناعة الجراحة وتعريفها وأعمالها، كالريشة والفاس والمبضع في فصد العروق والصنانير والإبر والرباط في السل ونبه على أهمية الكي ومواضعه والمكاوي ثم عرف اوجه الحجامة وطرق مباشرتها والعلق وأنواعه واستعمالها. ذكر بعد ذلك البط بالحديد والأدوية المفجرة، وعرف الدشبد واشار للجبر والجبائر، وعرف خلع العظام ووسائل إصلاح وتصحيح العظام المكسورة، وعالج فلسفة آلام وأوجاع الجسد والروح بالنسبة للأعمال الطبية النافعة. وأجاد المؤلف بعد ذلك في وصفه لمناهج خياطة الجراحة وكيفية التخييط والوجوه الأفضل لذلك والتقنية المستفادة. أمر إجراء الختان فقد أشار إلى الطرق المفيدة المستعملة في الطب الإسلامي، واخيرا بحث في موضوع احتباس البول وطريقة استعمال القاثاطير في إجراء التبول أو في إسقاط الحصى في الكلي أو المثانة، والمناهج والأدوات النافعة لذلك، والخبرة الحاصلة في ممارسة الجرائحيين العلماء.
في هذه الأبواب والفصول في " العمدة " اثبت المؤلف طول باعه في أصول صناعة الجراحة، مع ملاحظاته ودرايته صدق ومهارته فيها، وفصول أخرى نظيرها لم تطرق بعد تجعل نصوصها تستحق تقويم بحثه أصيلا وجديرا بالاهتمام، واعماله تثبت صدقه في إحياء تراث مهني خالد في عالم الطب العلمي والتقني.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مدونه تهتم باخبار الادويه واسواق الادويه فى العالم العربى وطرق التصنيع واخبار الصيادله وشركات الادويه وطرق التسويق والاعشاب والطب البديل ارجو ان تتحول الى موسوعه adwia_adwia82@yahoo.com

رساله الى نصارى مصر

كل العالم


Powered By Blogger