السبت، 30 مايو 2009

حان الوقت للدمج والتكامل بين الطب الحديث والطب التقليدي؟

حان الوقت للدمج والتكامل بين الطب الحديث والطب التقليدي؟



أعلنت هذا الأسبوع مجموعة من الباحثين البريطانيين في المؤسسة العلمية الشهيرة "كنجز كولج" (King’s College)، أن دراساتها أثبتت أن العديد من الوصفات الطبية الشعبية المنتقاة من مختلف بقاع العالم، لها خواص علاجية يمكن أن تفيد في علاج الكثير من الأمراض مثل داء السكري والأمراض السرطانية. هذه النتيجة تم التوصل إليها من خلال فحوصات معملية وملاحظات علمية، أكدت جميعها أن الكثير من تلك الوصفات قادرة فعلا على تحقيق فوائد علاجية في حالات مرضية مختلفة. وإن كان المتخصصون في مجال الطب البديل، أشاروا إلى ضرورة إجراء المزيد من الدراسات والبحوث، قبل الوصول إلى نتيجة قطعية، حول ما يمكن أن يضيفه الطب الشعبي للصراع التاريخي بين الإنسان والمرض، من خلال دمج أساليبه التقليدية في الطب الحديث. وقبل أن نستطرد في عرض الاحتمالات التي يمكن أن يستخدم فيها الطب البديل أو الطب الشعبي، والآمال التي أصبحت تتزايد حول ما يمكن أن يحققه للأطباء والمرضى، يجب أن نقف قليلا عند تعريف الطب البديل والطب الشعبي وغيرهما من المصطلحات التي شاع استعمالها مؤخراً. هذا الهدف الرامي إلى تعريف مثل تلك المصطلحات، ليس بالمهمة السهلة، بسبب تعدد أنواع "العلاجات" (therapies) واختلاف الفلسفات الصحية، والتي أصبحت جميعها تدرج تحت عنوان الطب البديل. فحالياً توجد خمسة أنواع رئيسية من"العلاجات" الشائع استخدمها والتي تقع جميعها ضمن العنوان الرئيسي، وهي(Acupuncture, Osteopathy, Chiropractic, Homeopathy and Herbal Medicine). وبخلاف النوع الأول (Acupuncture) أو الوخز بالإبر والنوع الأخير (herbal medicine) أو التداوي بالأعشاب، لا توجد ترجمة مقابلة في اللغة العربية للأنواع الأخرى، على حد علمي على الأقل. ويزداد الموقف تعقيداً إذا ما أضفنا أنواع العلاجات الأخرى الأقل انتشاراً واستخداماً وإن كانت لا زالت تندرج تحت أنواع الطب البديل، مثل (Naturopathy) والطب الغذائي (Nutrition Medicine)، والعلاج بالروائح (aromatherapy)، والتدليك أو المساج (message). ويمكن أن نضيف أيضاً هنا العلاج بالبلورات (Crystal healing)، وطب الطاقة (Energy Medicine) وأحياناً ما تقسم علاجات الطب البديل باعتبارها جزءاً من نظام صحي طبي متكامل مستعار من ثقافات وحضارات أخرى، مثل الطب الصيني التقليدي (traditional Chinese medicine) والطب التبتي - نسبة إلى سكان هضبة التبت- (Tibetan Medicine) أو الطب الآرفدي (Ayurvedic Medicine) والمستعار من الهند. ومرة أخرى وقبل أن نستطرد هنا، يجب أن ننبه القارئ إلى أن ذكرنا لكل هذه الأنواع، لا يعني أنها جميعها ذات فائدة تذكر، بل الحقيقة أن الكثير منها لا يزيد على كونه وهماً إنسانياً وأحياناً نصباً علمياً وكذباً طبياً صريحاً. هذا الوضع يجعل من بالغ الصعوبة وضع حدود وتعريف محدد لهذا النوع من الطب، رغم وجود العديد من الكتب والموسوعات التي تحاول تجميع وتصنيف جميع أنواع العلاجات المتاحة في هذا المجال. وبوجه عام يمكن أن نعتبر أن مصطلح الطب الحديث (Modern Medicine / Orthodox Medicine)، هو الطب الذي يدرس في كليات الطب الملحقة بالجامعات الرسمية. أما الطب البديل (Alternative Medicine) أو الطب المكمل (Complimentary Medicine) أو الطب الشعبي التقليدي (Traditional Medicine)، فهي جميعاً أنواع من العلاجات التي لا تدرس لطلاب الطب في الكليات الحديثة. هذا التصنيف سيثير غضب الكثيرين وانتقاداتهم اللاذعة، لأنه بالفعل لا يعتبر تصنيفاً علمياً دقيقاً. والمشكلة هنا أن الطب الحديث تعود جذوره إلى أنواع الطب الأخرى، ويعتمد حالياً في الكثير من ممارساته على ممارسات أنواع الطب تلك. فعلى سبيل المثال أصبح الكثير من أطباء يعتمدون على الوخز بالإبر الصينية، كوسيلة علاجية معتمدة ومعترف بها لعلاج الكثير من الأمراض والحالات الطبية، مثل الروماتيزم والسمنة وتخفيف الآلام. وأصبح الكثير من كليات الطب المشهورة والمرموقة عالمياً، تدرس الوخز بالإبر الصينية لطلابها، مع أن هذا النوع من العلاج ينتمي في الأساس إلى الطب الصيني التقليدي. ويزداد الموقف تعقيداً، بسبب اعتماد الكثيرين من ممارسي الطب البديل/ المكمل/ التقليدي/ الشعبي مؤخراً على الكثير من علوم وأساسيات الطب الحديث. فليس من المستغرب حالياً أن يطلب ممارس الطب العشبي مثلا من المريض، أن يجري تحليل دم يوضح مستوى إنزيمات محددة لتقدير كفاءة الكبد على تأدية وظائفه، قبل أن يحدد للمريض أي نوع أو خلطة من الأعشاب تناسبه لعلاج مرضه، دون أن تأثر سلباً على كبده!
هذا الوضع دفع البعض - وليست لدي النية بصدق لإرباك القارئ- إلى المطالبة بخلق نوع جديد من الطب، يمكن أن نطلق عليه الطب الشامل أو المتكامل (Integrated Medicine)، بهدف دمج ممارسات الطب الحديث مع ممارسات الطب البديل/المكمل/التقليدي/ الشعبي. هذا الهدف يرجى منه علاج المريض وفق أساسيات وعلوم الطب الحديث، ودون أن نتجاهل ونستعلي على ممارسات والفوائد التي يمكن أن تجنى من أنواع الطب الأخرى. ويستخدم الداعون لهذا المفهوم المثل الإنجليزي الشهير والقائل إنه لا يجب أن ترمي الطفل مع مياه الحمام (Don’t throw the baby with the bath water). هذا المثل يستخدم للدلالة على المواقف التي يختلط فيها ما هو ذو قيمة (الطفل هنا)، بما لا قيمة له (مياه الاستحمام). فأنواع الطب الأخرى تحمل في طياتها الكثير من الدرر الثمينة، التي يجب علينا اكتشافها وفصلها عن الكثير من الدجل والشعوذة والحمق العلمي أحياناً. فمثلا من درر الطب التقليدي، التي أصبحت بالفعل جزءاً من ممارسات الطب الحديث، فلسفة علاج المريض من منطلق شمولي، يأخذ في الاعتبار نمط حياته اليومية والبيئة المحيطة به وغذاءه وطعامه، بالإضافة إلى حالته العقلية والنفسية والروحية. ولذا يهدف التشخيص في الطب التقليدي إلى الوصول إلى جذور المشكلة الصحية التي يعاني منها المريض، من خلال دراسة وتحليل الظروف سابقة الذكر، بينما يهدف العلاج إلى تصحيح الأخطاء وعلاج المشكلات الصادرة عن تلك الظروف، بدلا من الاقتصار على مواجهة العلامات والأعراض بشكل مباشر. ويروج الطب التقليدي لفكرة الوقاية، وربما بشكل أكبر من الطب الحديث حالياً، من خلال تصحيح الأوضاع المختلفة في الظروف البيئية المحيطة بالشخص، وفي جوانب حياته العقلية والنفسية والروحانية. وإلى أن يتم تحقيق هذا الهدف، يجب أن نحذر القارئ هنا من المدعين والنصَّابين، الذين امتلأت بهم القنوات الفضائية العربية - وهي كثيرة-. فمن الصعب أن تقلب حالياً قنوات التلفزيون، دون أن يخرج عليك برنامج يستضيف (خبيراً في الطب البديل)، يطلق نصائحه الصحية، أو بالأحرى مصائبه، يميناً ويساراً. وهو ما يطرح سؤالاً عن مدى المسؤولية القانونية والأخلاقية التي تقع تحت طائلتها تلك القنوات؟ وخصوصاً أن تلك النصائح لا يوجد ما يؤيدها من دراسات وبحوث، ولم تخضع لما يعرف بمراجعة الزملاء (peer review). هذه التصرفات، واستغلال بعض الأشخاص لمخاوف الكثيرين، وأحياناً يأسهم من الطب الحديث، نجحت في زيادة الشكوك حول مصداقية هذا النوع من الطب، وفوتت الفرصة على الكثيرين للاستفادة مما يمكن أن يقدمه لهم من فائدة حقيقية واقعية. ولذا ربما حان الوقت لممارسي الطب الحديث من الأطباء، أن يمسكوا زمام المبادرة ليدمجوا ممارسات الطب التقليدي - ذات الفائدة الموثقة- في ممارساتهم الطبية اليومية، لتحقيق أكبر فائدة علاجية ممكنة لمرضاهم، وحمايتهم من الاستغلال من قبل أولئك المدعين.
__________________

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مدونه تهتم باخبار الادويه واسواق الادويه فى العالم العربى وطرق التصنيع واخبار الصيادله وشركات الادويه وطرق التسويق والاعشاب والطب البديل ارجو ان تتحول الى موسوعه adwia_adwia82@yahoo.com

رساله الى نصارى مصر

كل العالم


Powered By Blogger